news banner image Desktop news banner image Mobile
بيان صحفي 07 يونيو 2022

شوشا الأذربيجانية.. درة التاج

شوشا الأذربيجانية.. درة التاج

 

 

بقلم السيد السفير/ تورال رضاييف

سفير جمهورية أذربيجان بالقاهرة

 

بعد ما يزيد عن عام على الانتصار الذى حققه الجيش الأذربيجاني في معركة المصير نحو استعادة أراضيه المحتلة على مدار ما يقرب من ثلاثين عاما، أصدر الرئيس إلهام علييف في أوائل يناير المنصرم (2022) قرارا تاريخيا بشأن مدينة شوشا الأذربيجانية التي تعد درة التاج في معركة النصر، اذ أعلن أن عام 2022 هو عام شوشا في جمهورية أذربيجان، مسترشدا كما جاء في قراره بالفقرة 32 من المادة 109 من دستور جمهورية أذربيجان، وبمراعاة الأهمية التاريخية والقيمة الثقافية والروحية العالية لشوشا لشعب أذربيجان، ومكلفا في الوقت ذاته مجلس الوزراء الأذربيجاني أن يطور وينفذ خطة العمل المتعلقة بـ "سنة شوشا"، مستكملا بذلك قراره السابق الصادر في السابع من مايو من العام الماضي 2021، بإعلان مدينة شوشا عاصمة للثقافة الأذربيجانية.

وغنى عن القول إن استعادة شوشا كانت مرحلة فاصلة في معركة النصر كما أعلن ذلك صراحة الرئيس إلهام علييف حينما وجه خطابه في الثامن من نوفمبر 2020 إلى الشعب الأذربيجاني معلنا بكلمات واضحة وبفخر كبير تحرير شوشا، معبرا عن ذلك بقوله :"اعلان هذه البشرى للشعب الأذربيجاني في هذا اليوم التاريخي، ربما يكون أحد أسعد الأيام في حياتي"، مخاطبا مدينة شوشا التاريخية بخطاب الابن الذى عاد إلى حضن أمه بقوله:" عزيزتي يا شوشا، أنت حرة! عزيزتي يا شوشا، لقد عدنا! عزيزتي يا شوشا، سننعشك! شوشا لنا! قره باغ لنا! قره باغ هي أذربيجان!"، كما جاء في خطابه كذلك عبارات عكست حالة الفرح التي سادت بين جيشنا وشعبنا بهذا الانتصار، إذ أكد على أن :"الآذان سيرفع في مدينة شوشا مجددا بعد منعه 28 عاما".

وهنا تبقى جملة من التساؤلات، لماذا شوشا؟ ولماذا كل هذا الابتهاج الرسمي والشعبى بعودتها إلى حضن الوطن؟ ما قيمة شوشا التاريخية والثقافية في حياة الشعب الأذربيجاني؟ لتأتى الإجابة جلية واضحة أن شوشا مدينة تحمل عبق التاريخ وأحداثه، حيث بُنيت المدينة عام 1752 بأمر من أمير قره باغ بناه علي خان، لتحتفل هذا العام بذكرى مرور 270 عام على انشاءها. وقد لعبت هذه المدينة دورا كبيرا في الحياة الثقافية والتاريخية والعلمية في أذربيجان خاصة وجنوب القوقاز عامة، يدلل على ذلك ما تحويه من آثار عديدة وكنوز متنوعة، والتي تعود إلى حقبة ألبان القوقاز (أران)، من القرن الرابع قبل الميلاد، حتى بداية القرن الثامن، وما تلاها من حقب أذرية ومغولية وتركية، حتى العصر الحديث، ولا تزال باقية في تلك المنطقة التي تُوصف بأنها كانت أشبه بمتحف مفتوح، يضم العديد من الأديرة والكنائس والأضرحة والمساجد والبيوت العريقة. فضلا عن أن المدينة كانت بمثابة رمزاً للتقاليد التاريخية للشعب الأذربيجاني، حيث نشأ فيها واحدة من أقدم المستوطنات في نطاق ثقافة خوجالي جاداباي القديمة في النصف الثاني من الألفية الثانية قبل الميلاد، وأصبحت واحدة من أقدم المستوطنات البشرية في أذربيجان القديمة.

ليس هذا فحسب، بل كانت شوشا كذلك موطنا للعديد من المفكرين والعلماء والموسيقيين، ولشخصيات ثقافية متميز، وهو ما اكسبها قيمتها الثقافية والحضارية في تاريخ جمهورية أذربيجان، وكانت لهذه القيمة أثرا في إطلاق عدة تسميات على هذه المدينة، من أبرزها "لؤلؤة القوقاز"، و"معبد فن القوقاز"، و"مهد الموسيقى الأذربيجانية"، و"معهد موسيقى القوقاز".

ويذكر أن المدينة كانت قد تعرضت لاحتلال أرمينى غاشم في 8 مايو عام 1992، حاول هذا الاحتلال على مدار الثامن والعشرين عاما الماضية أن يطمس هويتها ويمحو مكانتها ويخفى معالمها وينهب ثرواتها، إلا أنها ظلت صامدة بقوة تاريخها، ومحافظة على مظهرها التاريخي الفريد، شاهدة على ملحمة النصر الذى نجح خلالها الجيش الأذربيجاني في تحرير المدينة في 8 نوفمبر عام 2020 في حرب الـ44 يوما، لتشهد المدينة منذ تحريرها خطوات سريعة نحو إعادة الاعمار والبناء، فتم تأسيس إدارة محمية مدينة شوشا التي تشرف على كافة المشاريع العملاقة لإعادة الاعمار بدءا من إعداد الخطة العامة لمدينة شوشا في اقصر وقت ممكن، مرورا بإعادة ترميم تمثال ومجمع ضريح الشاعر ملا بناه واقف، وافتتاح متحف وبيت المطرب بلبل والملحن عزير حاجيبايلي، وصولا إلى إعادة ترميم المعالم والآثار التاريخية والدينية والمعمارية فيها، إلى جانب استئناف فعاليات مهرجان "خاري بلبل" الموسيقي والذى يُنسب إلى زهرة "خاري بلبل"، وهي زهرة فريدة من نوعها، لا تنبت في أي مكان في العالم إلا في جبال شوشا، وتعتبر هذه الزهرة أحد رموز المدينة الأساسية، هذا فضلا عن تنظيم أيام شعر واقف امام مقبرة الشاعر.

كل ما سبق مثّل خطوات بارزة في طريق استعادة مدينة شوشا لمكانتها الثقافية ودورها التنويرى الحضارى في ربوع جنوب القوقاز بل العالم أسره. فضلا عن دور التأكيد على دور المدينة دبلوماسيا حينما استضافت في مارس الماضى (2022) اجتماعاً للاحتفال بذكرى مرور 30 عاماً على إقامة العلاقات بين أذربيجان ومنظمة الأمم المتحدة. كما شهدت شوشا في ذات الشهر اعلانا حمل اسم المدينة عكس مدى التقارب الأذربيجاني التركى في رسم خريطة طريق للتعاون المشترك بين البلدين في عدة مجالات، منها: الطاقة والنقل والاقتصاد والعلاقات الإنسانية.

والحقيقة أن ما تشهده شوشا من جهود حكومية لاستعادتها إنما يأتي انطلاقا من رؤية مستقبلية تستهدف جعل المدينة وجهة سياحية عالمية، من خلال استعادة طابعها التاريخي في قلب إقليم قره باغ، سعيا لتحقيق ما هو مخطط له أن يصل عدد السائحين الذين يزورون هذه الإقليم نحو مليون سائح حتى عام 2025.

ومن الجدير بالإشارة أن عملية إعادة اعمار مدينة شوشا جاء ضمن منظومة الاعمار المتكاملة لكافة الأراضي المحررة بمنطقة قره باغ، حيث إن الحكومة الأذربيجانية ردَّت على الدمار الذي أحدثه الاحتلال الأرميني برسالة التعمير والتنمية، فأنشأت مطاراً وطرقاً في المنطقة، كما عملت على إرساء بنية تحتية من أجل تأمين عودة كريمة للمشردين داخلياً واللاجئين"، وذلك كله بهدف تحويل :"قره باغ إلى واحة من أجل السلام والتعايش للجميع.  

ومن نافل القول إن رؤية الدولة الأذربيجانية في إعادة اعمار تلك المنطقة تحمل أبعادا عدة، سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وتنموية، مع تبنى مفهوم ذي دلالة كبيرة وهو مفهوم التنمية العصرية، تلك التنمية التي تحافظ على التاريخ وشواهده، وتقتفى أثر العصر ومتطلباته، وهو ما اتضح فيما أعلنته الحكومة الأذربيجانية من تبنى مفهوم القرية الذكية في عمليات إعادة الإعمار في المناطق المحررة، بكل ما يعنيه ذلك من تجديدات تكنولوجية واقتصادية واجتماعية، مستفيدة من طبيعة هذه المناطق التي تبدأ فيها عمليات التنمية من نقطة الصفر، بما يعطى للحكومة فرصة فى تطبيق أحدث نماذج التنمية، وإقامة مشاريعها وفقاً لهذه النماذج، فعلى سبيل المثال حينما بدأت الحكومة مشروعها لإنشاء 30 محطة كهرومائية صغيرة في الأراضي المحررة، كان تركيزها على مصادر الطاقة الخضراء والنظيفة.

نهاية القول إن شوشا كما كانت منارة للشعب الأذربيجاني والمنطقة في سابق أيامها التاريخية، تستعيد اليوم تلك المكانة بجوانب جديدة وبزوايا مستجدة تناسب متطلبات الوقت الراهن دون فقدان هويتها الحضارية.  

 

 

Paylaş

جميع الحقوق محفوظة. يرجى الاتصال لاستخدام أي مادة مرخصة
سياسة الخصوصية