ذكرى مذبحة “خوجالي”.. عندما يضحك الشهداء وتحل عدالة السماء
بقلم: أبوبكر أبوالمجد الكاتب الصحفي والباحث في شؤون آسيا السياسية والاقتصادية
ربما اقتربت ساعة الحساب وفتحت السماء أبوابها كي يشاهد العالم إجراءات المحاكمة العادلة لقتلة الأبرياء في مدينة “خوجالي”.
في ذكراها التاسعة والعشرين، تحيي القيادة الأذربيجانية، وممثلي الدولة من وزراء ومسؤولين وسفراء، جنبًا إلى جنب مع المواطنين وخاصة من أبناء “خوجالي” وقاراباغ وبالأخص مع أبناء وأقارب أسر شهداء المذبحة الشنيعة التي ارتكبها الأرمن ليلة السادس والعشرين من فبراير عام ١٩٩٢.
تحيي الأمة الأذربيجانية ذكرى المأساة في ظل انتصار عسكري مؤزر على العدو الأرميني، واستعادة كامل التراب الوطني من أيدي المحتل المجرم.
انتصار وصفه الرئيس إلهام علييف، أثناء زيارته للأراضي المحررة ومشاهدته لحجم الدمار والعبث بمقدرات الشعب الأذربيجاني، الثقافية والدينية والتاريخية؛ بل والثروات الطبيعية، أنه: “لم يكن إنهاء للاحتلال الأرميني فحسب؛ بل ضربة قاضية للفاشية الأرمينية”.
فالحق ما قاله الرئيس الأذري، لكن وصف الفاشية أقل بكثير مما يستحقه المجرمون مرتكبو المذبحة.
فالمذبحة قام بها حثالة بشرية.. شياطين ارتدوا أجسادًا آدمية.. وآدميون تديدنوا بالعنصرية وتسرولوا بالوحشية.
كانت ساعات أخيرة من يوم ٢٥ فبراير، تؤذن بفجر يوم جديد، كان يحمل لمليارات البشر حول العالم الأمل والرغبة في غد أفضل؛ لكن فوق هذه الأرض وفي أحضان خوجالي، كانت الساعات الأخيرة من ليلة الخامس والعشرين ثقيلة، لا صوت فيها يعلو على صوت الخيانة والحرب والقتل ولا مكان فيها يحميك من غدر عدو متربص منتفخ برغبة شديدة في إسالة الدماء.
ربما لا نبالغ حين نقول أن الأرض غرقت في دماء الأبرياء في تلك الليلة الجافة، وكان أسود من سواد هذه الليلة سواد قلوب العناصر الأرمينية الإجرامية التي قررت ودبرت وسفكت دماء ٦١٣ مواطنًا أذربيجانيًا مسالمًا.
في ظلام الليل تحركت قوات الجيش الأرميني الطامعة في الأراضي الأذربيجانية، بدعم من قوات مشاة الفوج 366 السوفيتي، والذي كان يتألف من أغلبية أرمينية.
تحركت لتحاصر وتهاجم وتفتك وتتلذذ كما الضباع بجثث الأبرياء ودماء مئات الشهداء من أطفال ونساء وشيوخ!
جريمة إرهابية بامتياز رصدتها ملائكة الله التي ترى بنوره وتدون بأمره لساعة يقضيها رب العالمين، فيضع الموازين القسط ويجازي كل بما عمل.
613 مدنيًا، من بينهم 106 إمرأة، و63 من الأطفال و70 من العجائز، والباقين من الرجال والشباب.
إضافةةلجُرح 1000 شخص وتم أخذ 1275 رهينة من السكان، وحتى يومنا هذا، مازال هناك 150 مفقودًا من أبناء خوجالى.
ليس هذا كل شيء.. فالوحوش العنصرية الكارهين للأذربيجانيين تلذذوا بقطع الرؤوس، وتسلوا على سلخ الجلود واستمتعوا ببقر البطون ولم يفرقوا في استخدام وسائلهم القذرة بين طفل أو امرأة!
ولما لا وقد كان الهدف الإستراتيجي للمحتل الغاصب هو قذف الرعب في قلوب الآذريين.. وترسيخ الشعور بالقهر لديهم حتى يفقدوا كل أمل في يوم النصر واستعادة الأراضي المحتلة!
وكما هي عادة المجرمين.. حاول القتلة طمس معالم جريمتهم الوحشية في “خوجالي” لكن عين الله الحارسة للحق تأبى إلا أن يظهر الله نوره ولو كره المجرمون.
شهادة من الرئيس الأرميني السابق سيرج سركسيان، والتي جرت عملية خوجالي تحت إدارته، تعري الحقائق، وتكشف كثيرًا من المستور، قال في تصريح سابق: “لقد كان الآذريون قبل خوجالي يظنون أن بوسعهم المزاح معنا، وكانوا يعتقدون أن الأرمن شعب لا يمكنه رفع أيديهم ضد السكان المدنيين؛ ولكننا كنا قادرين على تحطيم هذه الصورة النمطية”.
حديث موثق في {طوماس دى وول “الحديقة السوداء: أرمينيا وأذربيجان عبر السلم والحرب”، نيويورك ولندن: جامعة نيويورك للصحافة عام 2003، الصفحات من 169- 172}:
وفي صحيفة اللوموند الفرنسية، في 14 مارس عام 1992.. (تحولت أذربيجان مرة أخرى إلى مقبرة في الأسبوع الماضي، وإلى مكان للاجئين الجدد، وجرى سحب عشرات الجثث المشوهة إلى مشرحة مؤقتة تقع خلف المسجد.. لقد كانوا سكانًا بسطاء عاديين من الرجال والنساء والأطفال الآذريين في خوجالي.. تلك القرية الصغيرة الواقعة في إقليم قاراباغ الجبلي، والتي مزقها عدوان القوات الأرمينية في ليلة 25- 26 فبراير1992).
وأحد المتشددين النشطاء للمنظمة الأرمينية الإرهابية أصالة (Asala)، فاجن سسليان، الذى ارتبط اسمه بالعديد من الهجمات الدموية الإرهابية في مختلف أنحاء العالم، لم يخف عن الصحافة مسئوليته عن قتل الأطفال الآذريين في خوجالي.
وقد اعترف “سسليان” لاحقًا باعتباره بطلًا لحرب قاراباغ، وذلك فى كلمة لرئيس جمهورية أرمينيا روبرت كوتشاريان.
ومن كتاب المؤلف الأرمينى داوود خريان، الذى يستند إلى مأساة خوجالي، جاء فيه: “… في الثاني من مارس كانت مجموعة جافلان الأرمينية المكلفة بحرق الجثث قد جمعت أكثر من 100 جثة من الآذريين، وقامت بحرقها على مسافة كيلومتر واحد تقريبًا من غرب خوجالى…”.
وقد قام مراسل جريدة إزفستيا الروسية بوصف خوجالي كما يلى: “… بين الحين والآخر يجلبون جثث موتاهم من أصدقائهم الآذريين، وذلك لمبادلتهم بالرهائن الأحياء، ولن ترى مثل هذه الأشياء المروعة ولا حتى في الكوابيس.. فقد تم فقأ العيون، وقطع الأذان، كما يمكن مشاهدة الرؤوس المقطوعة وفروات الرأس المسلوخة.. وليس هناك نهاية لهذه المشاهد المروعة..”.
شهادات محايدة منها ما نطق به العدو فكان هو الحق بعينه، ومنها شهادة حلفائه من السوفييت، ومنها شهادات لصحفيين أوروبيين أقرب في الدين والعرق للأرمن منهم للأذريين، ما يعضد من إحقاق الحق ويؤكد صدق الرواية وإن جاءت أحداثها أغرب من الخيال.
“خوجالي” كانت خطوة من خطوات أرمينية لا تتوقف، وأبرزت جريمتها وجهًا لم يخف يومًا عن الأذريين، وكم هي أطماع الأرمينيين في بلادهم.
فقد استمرت أعمال التخريب المتعمد للثقافة التراثية والمادية لأذربيجان سواء في أرمينيا أو المدن المحتلة والذي ضم عشرات المتاحف، ومئات المدارس والمكتبات والمواقع الدينية ودور العبادة والجوامع، ولن ينسى المسلمون تحويل جامع “شوشا” إلى زريبة للخنازير، ولا حرق النسخ النادرة من القرآن.
وأتثبت اليونيسكو والإيسيسكو في قراراتها تدمیر وتخریب الآثار والمقدسات الإسلامیة التاریخیة والحضاریة في أراضي أذربیجان المحتلة نتیجة عدوان جمھوریة أرمینیا على جمھوریة أذربیجان.
لكن ما يجري على الأرض الآن من إعمار وإعادة الوجه الباسم والرأس المعز لتراث أذربيجان في قاراباغ وخوجالي على وجه الخصوص، لهو البرهان الساطع على صدق القيادة في وعدها لشعبها باسترداد الأرض.
حيث لم تحتج القيادة الحكيمة وجيش أذربيجان الباسل سوى 44 يومًا لاسترداد كامل التراب الوطني، أو أغلبه وباقي الأرض عادت باتفاق مذل استحقه العدو الغاصب.
وانتصر أصحاب الحق رغم المحاولات الإجرامية البائسة للعدو الذي قصف بالصواريخ مدن غنجا ومينغاتشفير وأغدام، وترتر وغيرها من المدن السكنية، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى من الأبرياء، ما يبرز مجددًا الوجه الفاشي للقيادة الأرمينية.
أرى ويكأن الشهداء يضحكون الآن ليس فقط بالانتصار الكبير على العدو واسترداد الأرض، ولا بقرب عودة الذين هجروا ديارهم بسبب المحتل، ولا برؤيتهم دولتهم المتطورة المستقرة القوية؛ ولكن لأنهم يرون ضربة الله تكاد تسقط على الدولة الأرمينية بالكامل، والمهددة اليوم بنشوب حرب أهلية فيها بعد محاولات الجيش الانقلاب على رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشنيان.
حيث ذكرت وكالة رويترز، أن نيكول باشينيان أقال رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، ودعا أنصاره إلى التجمع في وسط العاصمة يريفان، رفضًا لـ”محاولة الانقلاب”.
وفي نوفمبر الماضي، قال جهاز الأمن الوطني في أرمينيا إنه تم إحباط محاولة اغتيال استهدفت باشينيان، والاستيلاء على السلطة من جانب مجموعة من المسؤولين السابقين.
وتعرض رئيس وزراء أرمينيا لضغوط مع تظاهر آلاف المحتجين للمطالبة باستقالته، بسبب توقيعه اتفاقًا لوقف إطلاق النار ضمن لأذربيجان الحفاظ على المكاسب الميدانية، التي حققتها في إقليم ناغورني قاراباغ بعد معارك استمرت 6 أسابيع.
وقال جهاز الأمن الوطني حينها، إنه تم اعتقال رئيسه السابق آرتور فانيتسيان والرئيس السابق للكتلة البرلمانية للحزب الجمهوري فاهرامبا غداساريان والمحارب السابق آشوت ميناساريان.
وتابع في بيان “المشتبه بهم كانوا يعتزمون اغتصاب السلطة بطريقة غير مشروعة من خلال اغتيال رئيس الوزراء وكان هناك بالفعل مرشحين محتملين يجري بحث تنصيبهم مكانه”.
هذه الأحداث والشروخ في الداخل الأرميني أكثر ما يضحك شهداء أذربيجان سواء من أبنائها الذين قضوا على يد البرابرة الأرمن في خوجالي، أو في حرب العزة واسترداد الأرض حرب ال٤٤ يومًا.
وما بين ضحك الشهداء وعدالة السماء عاشت هامة أذربيجان مرفوعة وخوجالي في حضنها آمنة مستقرة.
https://www.asiaelyoum.com/93865/2021/02/26/ذكرى-مذبحة-خوجالي-عندما-يضحك-الشهداء/